ومن بين هؤلاء أيضًا، نجد الباحثة «زهية جويرو»، ومن مؤلّفاتها «القصاص في النصوص المقدّسة: قراءة تاريخيّة»، و«مؤسّسة الإفتاء بين سياج المذهب وإكراهات التاريخ»، و«الوأد الجديد: مقالات في الفتوى وفقه النساء». والقامة الكبيرة الأستاذ «عبد المجيد الشرفي»، الذي يعتبر مؤسّس مدرسة الفكر التجديدي الإسلامي في تونس وصاحب مؤلّفات عديدة، من بينها «الإسلام والحداثة»، و«الثورة والحداثة والإسلام»، و«المصحف وقراءاته». في السنوات الأخيرة، أصدر مخبر «الظاهرة الدينية» العديد من المؤلّفات المهمّة التي تهدف إلى تحليل الظاهرة الدينيّة في تونس وفهمها؛ ومن بين هذه الإصدارات، نجد كتاب «في فهم الظاهرة الدينية في تونس: جذورها وتجلياتها ودلالاتها» الذي تمّ نشره عام 2017 تحت إشراف وتنسيق د. محمد بن الطيب. وهذا الكتاب هو نتاج تعاون بين وحدة البحث «الظاهرة الدينية في تونس» (كلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات) وبرنامج دعم المجتمع المدني في تونس.
المبادرات من السلطة
حاولت مؤسّسات الدولة الرسميّة العملَ على تغيير بعض السياسات والقوانين التي تحدّ من ممارسة هذه الحقوق، مع محاولاتٍ أخرى من طرف المجتمع المدنيّ لمواجهة التحدّيات التي تحول دون تعزيز الحقّ في حرّيّة الدين والمعتقد داخل المجتمع التونسيّ.
من جانبهم، ساهم بعض الباحثين والمفكّرين التونسيّين في نشر إسهامات بحثيّة ومقالات علميّة تتطرّق إلى مسألة الاختلاف، والتنوّع الدينيّ، والمواطنة، على غرار الباحثة «أمال قرامي» التي لها مؤلّفات متعدّدة من بينها: «قضيّة الردّة في الفكر الإسلامي الحديث»، و«الاختلاف في الثقافة العربيّة الإسلاميّة»، و«حرّيّة المعتقد في الإسلام»؛ والأستاذة «ناجية الوريمي بوعجيلة» صاحبة كتاب «الاختلاف وسياسة التّسامح»، و«في الإئتلاف والاختلاف»؛ والدكتورة «منجية النفزي» صاحبة كتاب «الأنسنة والحوار والتعايش في الإسلام».
الحقوق الدينية: حقوق الإنسان المنسية
هي مبادرةٌ أطلقتها منظّمة «التلاقي« بالشراكة مع الكنيسة الأسقفيّة-الأنغليكانيّة، في سبتمبر 2018، حيث التقى مجموعة من مسلمين، ومسيحيّين، وبهائيّين، لأوّل مرّةٍ داخل كنيسة، بمشاركة واسعة من الشباب والجهات الفاعلة في تونس. ساهم هذا اللقاء في كسر الحواجز التي تحول دون مشاركة المؤسّسات الدينيّة غير الرسميّة في القضايا المتعلّقة بالدين والشأن العام. فكان فرصةً لبناء جسور التواصل بين الكنيسة الأسقفيّة والمجمع البهائيّ في تونس، وللعمل معًا في شراكة قويّة مع المجتمع المدنيّ الناشط في المجال الدينيّ من أجل توحيد جهودهم لدعم مجتمعاتهم الصغيرة، وحماية حقوقهم، وبناء تحالفات قويّة.
الميثاق التونسي للمساواة والحريات الفردية
جاء هذا الميثاق، في 24 جويلية/يوليو 2018، على إثر صدور تقرير لجنة الحرّيّات الفرديّة والمساواة، وذلك مناصرةً ودعمًا لما ورد فيه من طرف المنظّمات والجمعيّات التي تعمل في مجالات حقوق الإنسان عامّةً، والحرّيّات الفرديّة والأساسيّة خاصّةً؛ وقد ورد في بنده السادس، إنّ الحقّ في الفكر، والضمير، والدين، حقٌّ مطلق لا يقبل تقييدًا؛ ويشملُ حرّيّة الفكر في جميع المسائل، وحرّيّة الاقتناع الشخصيّ، واعتناق دين أو عقيدة من عدمه، وممارسة الشعائر الدينيّة من عدمها، ولا تدخُّل أو إكراه يمكن أن يُسلّط على تلك الحرّيّات من أيّ جهةٍ كانت. لذلك، تمّ إلغاء كلّ النصوص القانونيّة التي توحي بتفضيل أيّ معتقد دينّي عن غيره من المعتقدات، أو تلك التي تفرّق بين المواطنات والمواطنين على أساس الديانة، وتلك التي تحرم بشكل مباشر أو غير مباشر الأقلّيّات الدينيّة من حقوقها المدنيّة، أو السياسيّة، أو الاقتصاديّة، أو الاجتماعيّة، أو الثقافيّة، كما تمنع وتعاقب كلّ الممارسات التمييزيّة على أساس الفكر، أو الضمير، أو الدين.
المبادرات المجتمعية
الميثاق الوطني للتعايش السلمي بين المكوّنات الدينية في تونس
تتويجًا لمسارٍ شاملٍ وطويل – دام لما يقارب 3 سنوات – تضمّن سلسلةً من الورشات، والندوات، والاجتماعات، ومشاريع مناصرة أشرفت عليها منظّمة «التلاقي«، بمشاركة واسعة من غالبيّة المكوّنات الدينيّة والمذهبيّة في تونس؛ تمّ التوقيع على «ميثاق وطنيّ للتعايش السلميّ المشترك بين المكوّنات الدينيّة»، وذلك يوم 26 جانفي/يناير 2022، في العاصمة تونس، وذلك بحضورٍ رسميّ من الدولة ممثَّلةً بوزارة الشؤون الدينيّة ك «مراقب«. وأكّد الموقّعون على ضرورة تعزيز حرّيّة الدين والمعتقد، وبذل الجهود من أجل مكافحة خطاب الكراهية وتجريمه، وتأكيدهم على أنّ: تحرّي الحقيقة، وحرّيّة الدين والمعتقد، وممارسة الشعائر الدينيّة؛ حقٌّ ضمنته كلّ الديانات، والمواثيق، والمعاهدات الدوليّة، والدساتير الوطنيّة، دون استثناء أو تمييز. بالإضافة إلى أنّ مكافحة العنف، والتطرّف، والكراهية، يبدأ بتجريم الفتاوى والخطابات التي تدعو لإقصاء واستئصال الآخر، وبالتالي، فلا بدّ من سنّ تشريعاتٍ صارمة تمنع هذه الظواهر. كما أكّدوا أنّ رموز الأديان جميعها والمذاهب كلّها محترمة، فلا يجوز المساس بها بالاستنقاص، أو التسخيف، أو الاستهزاء. وقد واجه هذا الميثاق موجةً من الانتقادات، وصلت حدّ تكفير ولعن الموقّعين، وتحليل دمائهم، ومطالبة الدولة باعتقالهم، ومحاسبة المنظّمة المشرفة على التوقيع. وتجاوز هذا الخطاب الخطير العامّةَ، ليصل إلى أفواه النخب المثقّفة من: سياسيّين، ورجال دين وفكر، وحتّى بعض القيادات الأمنيّة الرفيعة المستوى والمحالة إلى التقاعد.
أكد الموقّعون على ضرورة تعزيز حرية الدين والمعتقد، والعمل على مكافحة وتجريم خطاب الكراهية، وأكدوا أن السعي وراء الحقيقة، وحرية الدين والمعتقد، وممارسة الشعائر الدينية هي حقوق مكفولة من جميع الأديان، والمواثيق والمعاهدات الدولية، والدساتير الوطنية، دون استثناء أو تمييز. كما أشاروا إلى أن مكافحة العنف والتطرف والكراهية تبدأ بتجريم الفتاوى والخطابات التي تدعو إلى الإقصاء والإبادة، وبالتالي يجب سنّ تشريعات صارمة لمنع هذه الظواهر. وشددوا أيضًا على أن رموز جميع الأديان والمذاهب يجب احترامها وعدم المساس بها أو التقليل من شأنها أو السخرية منها. وقد واجه هذا الميثاق موجة من الانتقادات، وصلت إلى حد التكفير واللعن بحق الموقّعين، والدعوة إلى سفك دمائهم، والمطالبة باعتقالهم ومحاسبة الجهة المشرفة على الميثاق. وقد تجاوز هذا الخطاب الخطير عامة الناس ليصل إلى النخب المثقفة، بما في ذلك سياسيين، ورجال دين، ومفكرين، بل وبعض كبار المسؤولين الأمنيين السابقين.
مبادرات الحكومة
اللجنة الرئاسية للحريات الفردية والمساواة
تمّ إنشاء لجنة الحرّيّات الفردية والمساواة من قبل الرئيس التونسيّ «باجي قائد السبسي«، يوم 13 أوت/أغسطس 2017. وقد تولّت اللجنة إعداد تقرير عن الإصلاحات التشريعيّة المتعلّقة بالحرّيّات الفرديّة والمساواة، وفقًا للدستور المؤرّخ في 27 جانفي/يناير 2014، والمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان، وخاصّةً الاتّفاقيات والمعاهدات التي وقّعت عليها تونس. وفي إطار مهامها، قامت اللجنة التي ترأّستها الناشطة الحقوقية الأستاذة «بشرى بالحاج حميدة«، بجَردٍ للقوانين التي تمسّ الحرّيّات الفرديّة والمساواة، والتي تتعارض مع دستور والتزامات تونس بخصوص ضمان حقوق الإنسان.
عملت اللجنة على صياغة الاقتراحات، وذلك من خلال منهجيّةٍ تشاركيّةٍ، تمّت خلالها استشارة العديد من الأحزاب السياسيّة الممثَّلة في مجلس نوّاب الشعب وغيرها، كما ومنظّمات المجتمع المدنيّ، والباحثين المتخصّصين في مجالات عدّة (علماء اجتماع، وعلماء من جامعة «الزيتونة«، وأساتذة القانون والدستور وغيرهم)، وقد ساعدت اقتراحاتهم في دفع عمل اللجنة وإنهاء تقريرها في وقت قياسيّ جدًّا.

