الإطار الدستوري والقانوني الوطني لحماية حرية الدين والمعتقد من السلطة الدولة
الدستور
بعد الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، قامت الحكومة الانتقالية بكتابة الدستور العراقي، بواسطة لجنة مؤلفة من ٥٥ عضوًا من مختلف الخلفيات السياسية والإثنية. وقد جرى الاستفتاء عليه في يوم ١٥ تشرين الأول/أكتوبر عام ٢٠٠٥ مِن قِبل الشعب، ثم جرى اعتماده بعد ظهور نتائج الاستفتاء التي أدت إلى تصديق الدستور.
اعترف الدستور العراقي لِعام 2005 بالتعدد الثقافي والديني واللغوي، وإنْ لم يعترف رسميًّا بكل المكونات بحسب ما ورد في المادة (٢)، فقرة ثانيًا: “يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين”.
ويؤكد الدستور العراقي، اعترافًا منه بتعدد القوميات والأديان والمذاهب، بحسب المادة (٣)، أنَّ: “العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وجزء من العالم الإسلامي”. ويضمن الدستور العراقي استخدام اللغات المحلية كلغات رسمية إضافةً إلى اللغتَين الرسميتين في العراق، وهما العربية والكوردية، بحسب المادة (٤)، الفقرة خامسًا: “لكل إقليم أو محافَظة اتِّخاذ أية لغة محلية أخرى لغةً رسمية إضافية إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاءٍ عام”.
يناهض الدستورُ العراقي العنصريةَ والإرهاب في موادِّهِ الآتية: المادة (٧),المادة (١٠), المادة (١٢), المادة (١٤),المادة (١٥),المادة (٣٧), المادة (٤١),المادة (٤٢),المادة (٤٣),المادة (١٢٥).
المادة (٦): “يقرُّ ويحترم هذا الدستورُ الهويةَ الإسلامية لغالبية شعب كوردستان‑العراق، ويقرُّ ويحترم كامل الحقوق الدينية للمسيحيين والإيزيديِّين وغيرهم ويضمن لكل فرد في الإقليم حرية العقيدة وممارسة الشعائر والطقوس الدينية وأنَّ مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع. ولا يجوز:
أولًا- سَنُّ قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ثانيًا- سنُّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ثالثًا- سنُّ قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور”.
إقليم كردستان
تُركِّز مُسَوَّدة دستور إقليم كوردستان على التنوع القومي (الإثني) والديني واللغوي، وعلى حريّة العقيدة، وحرّيّة التعبير، دون الإضرار بحقوق المكوّنات أو إهانة مقدساتهم. فمثلًا:
المادة (٥):”يتكون شعب إقليم كوردستان من الكورد، التركمان، العرب، الكلدان السريان الأشوريين، الأرمن وغيرهم ممن هم من مواطني إقليم كوردستان”.
القوانين/السياسات الحالية المتعلقة بحرية الدين والمعتقد
من أهم القوانين في العراق لتدعيم حرية الدين والمعتقد:
قانون رقم (5) لسنة 2015 قانون حماية حقوق المكونات في إقليم كوردستان‑العراق
قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969
الخطة الوطنية لحقوق الإنسان في العراق
اعتمد مجلسُ وزراء جمهورية العراق في جلسته (12) الخطةَ الوطنية لحقوق الإنسان (2021-2025)، لكي تكون دليلَ عملٍ للمؤسسات الحكومية كافة، وللمجتمع المدني، وأصحاب المصلحة، في السنوات الخمس المقبلة، ثم وضَع توصياتِ الهيئات الدولية المَعنيَّة بحقوق الإنسان موضع التنفيذ، احترامًا لالتزامات العراق الدولية في هذا الإطار. وأَطلَق الخطةَ وزيرُ العدل القاضي سالار عبد الستار محمد في 6 أيار/مايو 2021، بمشاركة الجهات الحكومية العراقية في الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان، والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وممثل عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).
اليوم الوطني للتسامح والتعايش
بمناسبة اللقاء التاريخي بين المرجع الشيعي السيّد علي السيستاني، والبابا فرنسيس، ولقاء الأديان في مدينة أور التاريخية، أَعلَنت جمهوريّةُ العراق تسميةَ يوم السادس من آذار/مارس من كل عام، يومًا وطنيًّا للتسامح والتعايش في العراق.
اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف
أَسَّسَت الحكومةُ الاتحادية برئاسة مستشارية الأمنِ القومي عام 2021 اللجنةَ الوطنية لمكافحة التطرف العنيف، والتي أصدرت إستراتيجية خاصة، مِن شأنها وضعُ خطة تشمل المؤسسات الرسمية (ومِن ضِمنها المؤسسات الدينية)، لنبذ التطرف وحماية التنوع الديني والإثني. وعلى إثرها، جرى تأسيس “رابطة رجال الدين لمكافحة التطرف العنيف” عام 2023، والتي تَجْمع رجال دين من مختلف الأديان والمذاهب.
المديرية العامة لشؤون الناجيات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
بناءً على القانون العراقي رقم 8 لسنة 2021 (قانون الناجيات الإيزيديات)، جرى تأسيس هذه المديرية في محافظة نينَوَى (المقر الرئيسي)، لمتابعة تنفيذ بنود القانون، ومنها: إحصاء البيانات وإعدادها، وتعويض الناجيات والمشمولين في ضمن القانون مادِّيًّا ومعنويًّا، وتأمين حياة كريمة لهم، وتأهيلهم ورعايتهم لإعادة دمجهم في المجتمع، ومنع تكرار ما حصل من انتهاكات بحقهم. لقد اعترف القانون بشكل واضح وصريح بأن الجرائم المرتكبة من تنظيم “داعش” ضد الإيزيديين والمكونات الأخرى: كالشَّبَك والتركمان والمسيحيين، هي جرائم إبادةٍ جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وقد سببت أضرارًا مادية ونفسية واجتماعية ومادية على كافة الضحايا، خاصة النساء والأطفال منهم.


II- المبادرات من السلطات الدينية
أهمُّ مبادرة دينيّة حصلت على أرض العراق في السنين الماضية كانت لقاء قداسة البابا فرانسيس مع آية الله علي السيستاني في 6 آذار/مارس 2021 في النجف، والحوار الذي دار بينهما حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية في هذا العصر، ودَور الإيمان بالله وبرسالاته والتزام القيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها. وقد دعَوَا -على إثر لقائهما- القُوَى العظمى في العالم إلى تغليب العقل والحكمة، ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحها الذاتية على حساب حقوق الشعوب. أيضًا شدّدَا على دور الزعامات الدينية والروحية في تثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الإنساني في كل الأديان والمجتمعات.
في اليوم ذاته، جمع لقاءُ قداسة البابا مع ممثلي معظم الأديان الموجودة في العراق، في مدينة أُور الأثرية في محافظة ذي قار التي فيها “بيت النبي إبراهيم”. وجَّه قداستُه كلمةً شدد فيها على الأُخوّة والمحبة، والعمل على أن تصبح العائلة البشرية مِضيافة تُرحب بجميع أبنائها. أيضًا شدّد على ضرورة احترام حرية الضمير والحرية الدينية والتصدي للإرهاب بِاسم الدين.
وعلى إثر زيارة البابا للمرجع السيستاني، وُجِّهَت من العراق إلى الأزهر الشريف دعوات إلى لقاء السيد السيستاني، من أجل شد الأواصر بين السُّنّة والشيعة الاثني عشرية في العالم. وفي هذا السياق، زار د. مشعان الخزرجي رئيسُ الوقف السنى في العراق على إثر توَلِّيه هذا المنصبَ، شيخَ الأزهر الإمامَ أحمد الطيب في الأزهر الشريف في القاهرة، في كانون الثاني/يناير 2023، وجدّد دعوة شيخ الأزهر إلى زيارة بلاده.
أما عقب توَسُّع تنظيم “الدولة الإسلامية “داعش في العراق، والعنف والتهجير الممنهج ضد الأقليّات، أقام الوقف السني بالعراق في عام 2015 مؤتمرًا، دعا فيه ممثلي الأديان والمذاهب إلى الوَحْدة في مواجهة الإرهاب، وذلك بالتنسيق مع وزارة الثقافة وبعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”.
أما المرجع الشيعي السيّد على السيستاني، فقد أصدر فتاوى في مواجهة التطرف والدعوة إلى الامتناع من القيام بردود فعل طائفية تجاه الصراع الطائفي بين المذاهب الإسلامية. فاشتهرت في هذا السياق مقولته “لا تقولوا إخوتنا السُّنّة، بل قولوا أنفسنا السُّنّة” ().
الثالثًا- المبادرات المجتمعية
المنظمات العاملة في مجال تعزيز الحوار بين الأديان في العراق
شهد العراق خلال السنوات الماضية جهودًا متعددة، لتعزيز الحوار بين الأديان وحماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية. وتسهم عدة منظمات في هذا المجال، عن طريق برامج ومبادرات تهدف إلى تعزيز التفاهم المشترك والعيش المشترك بين المكونات المختلفة، ومن أهمها: مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية, شبكة تَحالُف الأقليات العراقية, المنظمة الإيزيدية للتوثيق, منظمة السلام والحرية, منظمة كابني, مؤسسة أديان.
أيضًا تناولت تقارير خاصة، مثل تقرير المُقرِّرة المَعنيَّة بحقوق الإنسان للمشردين داخليًّا (2020)، الجوانبَ الإنسانية والاجتماعية المرتبطة بالنازحين (راجع تقرير المقرِّرة الخاصة المَعنية بحقوق الإنسان للمشرَّدين داخليًّا: زيارة لِلعراق، مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، الدورة الرابعة والأربعون في الفترة بين 15 حزيران/يونيو و3 تموز/يوليو 2020، إضافة إلى تقرير المقرِّرة الخاصة المَعنية بقضايا الأقليات عن بعثتها إلى العراق، مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، الدورة الرابعة والثلاثون في الفترة بين 25 شباط/فبراير و24 آذار/مارس 2017. وعملت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ومكتب المفوض السامي للأمم المتحدة عام 2017، على تقرير حول تعزيز وحماية حقوق ضحايا العنف الجنسي، الذين وقعوا في أسر داعش أو في المناطق التي يسيطر عليها في العراق. تهدف هذه المبادرات الدولية إلى تحسين التشريعات الوطنية، وضمان التزامِ العراقِ توصياتِ حقوق الإنسان على المستوى العالمي؛ ما يَضمن بيئة أكثر شمولية وعدالة للأقليات.
تدعم تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان جهود العراق في تعزيز الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع التركيز على حماية أكثر الفئات تضررًا، مثل: المشرَّدين داخليًّا وضحايا العنف الجنسي، في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش (راجع: تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تجميع بشأن العراق، الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة الرابعة والثلاثون في الفترة بين 4 و15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019؛ وتقرير الفريق العامل المَعني بالاستعراض الدوري الشامل، حول وضع حقوق الإنسان والالتزامات الدولية للعراق في هذا المجال‑العراق 2014، الذي يقدم مجموعة مهمة من التوصيات إلى العراق، وافق العراق عليها، ويجب أن تُنفَّذ خلال مدة الاستعراض الشامل.
IV- مبادرات الجتمع الدولي والهيئات الدولية
مبادرات الهيئات الدولية لتعزيز حقوق الإنسان وحماية الأقليات في العراق
شهدت الهيئاتُ الدولية جهودًا مستمرة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومنها حقوق الأقليات الدينية والقومية والإثنية في العراق. تستند هذه الجهود إلى المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية. ومِن خلال الاستعراض الدوري الشامل الذي يُقدَّم إلى مجلس حقوق الإنسان، جرى تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها الأقليات في العراق، وتقديم توصيات شاملة لتحسين أوضاعها، كما حدث في الدورتَيْن: العشرين (2014)، والرابعة والثلاثين (2019( (راجع التقرير الوطني المقدم وفقًا للفقرة ٥ من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة 16/21، الفريق العامل المَعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة العشرون‑العراق، في الفترة بين ٢٧ تشرين الأول/أكتوبر و٧ تشرين الثاني/نوفمبر 2014. والتقرير الوطني المقدم وفقاً للفقرة ٥ من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة 16/21، الفريق العامل المَعني بالاستعراض الدوري الشامل، الدورة الرابعة والثلاثون‑العراق، في الفترة بين 4 و15 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
مبادرات من المنظّمات الدوليّة
- إطلاق المجلس الثقافي البريطاني لبرنامج “تَحاوُر”، وهو برنامج مُوَجَّه إلى الشباب، لبناء قدراتهم على التفكير النقدي، ومدِّ جسور الحوار من خلفيات دينية وإثنية ومناطقية مختلفة. يستهدف البرنامجُ تعزيز الحوار حول موضوعات مختلفة، مثل: المواطنة والتنوع، وحرية التعبير، وحماية الإرث الحضاري، وقد أسهم على نحو كبير في نشر المعرفة لِلتنوع الديني، وتعزيز قدرات الشباب على الدفاع عن حق الآخر المختلف دينيًّا (2018-2021).
- تحويل برنامج “تحاور” إلى منهج دراسي يُطبق في جامعات عراقية مختلفة، مثل: جامعة دهوك، وجامعة بغداد، وجامعة كركوك، وجامعة تكريت، وجامعة البصرة.
- إطلاق مشروع “الحوار الوطني العراقي للمواطنة والعيش معًا” بين العامَين: 2018 و2021، الذي نفذّته مؤسسة أديان بدعم من كنيسة السويد، وبالتعاون مع منظمات عراقية. وقد ضمّ هذا الحوار 33 شخصية من مختلف الخلفيات الدينية والإثنية والمجتمعية، بينهم قادةٌ دينيون ومجتمعيون وناشطون وسياسيون وحقوقيون وأكاديميون وغيرهم، بحثوا خلال عدّة لقاءات وحوارات صريحة ومطوّلة أبرزَ التحديات التي تواجهها المواطَنةُ في العراق. نتَج من هذا المشروع تقرير بعنوان “خارطة طريق بناء المواطنة والحكم الرشيد في العراق“، في ثلاث لغات (العربية والكوردية والإنكليزية)، حُدّدت فيه 20 توصيةً سياساتيّة للعبور نحو عراق حاضن للتنوع، على مستوى الهُوية والدستور والقوانين والتعليم والصحة والبيئة والمجتمع. عملت مؤسسة أديان مع أعضاء الحوار لتقديم التقرير إلى الجهات المَعنيّة في العراق، وأبْدَوا جاهزيَّة للتعاون على كافة الصُّعُد لتحقيق الأهداف الطموحة المذكورة في التقرير.
