ومن جانب آخر، انخرط جزء من البرلمانيّين، والسياسيّين، وبعض المثقّفين المحسوبين على نخبة البلاد في نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف، متجاوزين بذلك دورهم الأساسيّ في حماية الأمن والسلم الاجتماعيّ، واحترام مؤسّسات الدولة وقوانينها. يُضاف إلى ذلك، الممارسات غير القانونيّة من قبل بعض المنتسبين للمؤسّسة الأمنيّة في حالات الإيقاف، والاستجواب، وتجاوزات أخرى تقوم بها السلطات المحلّيّة أو المركزيّة.
الإنتهاكات من قِبل سلطة الدولة
أَقرّت العديدُ من الأحكام الدستوريّة والتشريعيّة التونسيّة بحرّيّة المعتقد والضمير، وجرّمت الإعتداء على هذه الحرّيّات. إلّا أنّ العديد من الأحكام الأخرى، كانت سببًا في تقويض هذه الحرّيّات، وأدّت إلى صدور أحكام قضائيّة وعراقيل إداريّة ميّزت بين التونسيّين على أساس الدين. في حين يضمن القانون التونسيّ الحقّ في حرّيّة المعتقد والضمير، كما ورد في الفصل 27 من دستور تونس 2022، بالإضافة إلى حماية حرّيّة ممارسة الشعائر الدينيّة ما لم تُخلّ بالأمن العامّ، وذلك في الفصل 28 من الدستور نفسه. مع ذلك، وإن كان الفصل الأوّل من دستور 2014 و1959، الذي حدّد ديانة وهويّة الدولة، يقبل تأويلات عديدة؛ من حيث إشارته، فقط، إلى أنّ دين الدولة الإسلام والعربية لغتها، إلّا أنّه جاء في الفصل 5 في دستور 2022 صياغةً لا تقبل التأويل؛ جعل من دين الأغلبيّة هو المهيمن، ومنح الدولة مسؤوليّة العمل على تحقيق مقاصد الإسلام (مقاصد الشريعة – الكلّيّات الخمس). ونتج عنه أيضًا، حذف الفصل 2 من دستور 2014: «تونس دولة مدنيّة، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلويّة القانون»، أي تمّ حذف الفصل الذي وُضِع لخلق التوازن بين الفصلين الأوّل، الذي نصّ على أنّ الإسلام دين الدولة، والثاني، الذي وصف تونس على أنّها دولة مدنيّة تقوم على المواطنة، وذلك في إطار توافق بين الإسلاميّين والعلمانيّين. ولعلّ تغييرات دستوريّة كهذه، سيكون لها تأثيرات سلبيّة: تشريعيّة وقضائيّة.
ضَمن دستور 2022 الحقَّ في ممارسة الشعائر الدينيّة؛ إلّا أنّها ممارسة مشروطة بشرط أساسيّ وهو: «عدم الإخلال بالأمن العامّ»، وهو مصطلح كان قد تمّ الاستغناء عنه في دستور 2014 لسوء تأويله، ولكن بإعادته مجدّدًا قد يكون بابًا مشرّعًا للتضييق على المواطنين في ممارسة شعائرهم الدينيّة في أمان وحرّيّة. فوجود هذا النصّ لا يضمن على أرض الواقع حقوق المكوّنات الدينيّة غير المسلمة، كالمسيحيّين، والبهائيّين التونسيّين، والمكوّن الشيعيّ، كما هو الحال مع اليهود التونسيّين، والمسيحيّين الأجانب الذين يملكون أماكن عبادة خاصّة بهم، حيث أنّ هذا الشرط (عدم الاخلال بالأمن العام) خاضع للتأويلات الشخصيّة من طرف القضاة المحافظين أو أعوان الشرطة، بالتحجّج بحماية الأمن العامّ، أو بالفصل الخامس، الذي حدّد الديانة الرسميّة للدولة والشعب، وأنّ أيّ ممارسات دينيّة أو عقائديّة أخرى لا يملك أصحابها تراخيص لأدائها، قد يتمّ حظرها ومنعها، وكأنّها استفزاز للأغلبيّة المسلمة السُنّيَّة. ومن بين أوجه التمييز الأخرى في الدستور التونسيّ لسنة 2022، حرمان غير المسلمين من الوصول إلى منصب رئاسة الجمهوريّة، حيث ينصّ الفصل 88 على أنّ «رئيس الجمهوريّة هو رئيس الدولة، ودينه الإسلام».
يجتهد بعض القضاة لإيجاد المبرّرات القانونيّة لإصدار العقوبات والأحكام القضائيّة ضدّ المختلفين دينيًّا؛ فيعملون على تطويع فصول قانونيّة: كالفصلين 52 و53، من المرسوم المتعلّق بحرّيّة الصحافة، والطباعة، والنشر، والذي يقضي بعقوبة سجنيّة أقصاها 3 سنوات؛ و كالنصوص التي تجرّم توزيع المناشير، والنشرات، والكتابات الأجنبيّة المصدر، أو غيرها التي من شأنها تعكير صفو النظام العامّ، أو النيل من الأخلاق الحميدة (الفصل 121 ثالثًا، مجلّة جزائيّة)، لتقييد حرّيّة الدين والمعتقد. كما نلاحظ في القانون التونسيّ مظاهر متعدّدة من التمييز في الأمور الاتية:
في حقّ العبادة والدفن , في حرّيّة التنظيم , في حالة التشكّي والتقاضي, في الاستجواب التعسّفيّ, ملاحقة المفطِرين في شهر رمضان.
التمييز القانونيّ على أساس النوع الاجتماعيّ
تضمّن القانون التونسيّ، في بعض نصوصه، أشكالًا مختلفة من التمييز القائم على النوع الاجتماعيّ، وتحديدًا مجلّة الأحوال الشخصيّة، التي – وإن اعتُبرَت مجلّةً حداثيّةً وثوريّةً عند إنشائها عام 1957 – قد منحت النساء الكثير من الحقوق متجاوزةً بذلك العديد من الأعراف الاجتماعيّة؛، إلّا أنّ هذه المجلّة حرمت النساء حقوقًا أساسيّةً، وكرّست الهيمنة الذكوريّة.
في حقّ الحضانة: يقيّد القانون التونسيّ حضانة الأمّ بسلطة الأب. إذ، تسقط حضانة الأمّ لأسباب دينيّة، فينصّ الفصل 59 من مجلّة الأحوال الشخصيّة: «إذا كانت مستحقّة الحضانة من غير دين أب المحضون، فلا تصحّ حضانتها؛ إلّا إذا لم يتمّ المحضون الخامسة من عمره، وإن لا يُخشى عليه أن يألف غير دين أبيه. ولا تنطبق أحكام هذا الفصل على الأمّ إن كانت هي الحاضنة».
في حكم الوراثة: يصنَّف الاختلاف في الدين كمانعٍ من موانعَ الإرث لدى جانب من القضاء التونسيّ، وذلك بالرجوع إلى قرار محكمة الاستئناف في تونس، في حكمها الصادر في 26 جوان/يونيو 2014، الذي أقرّ ببطلان عقد زواج مسلمة بغير مسلم، وباستبعاد الزوج من إرث زوجته، بناءً على الفصلين 5 و88 من مجلّة الأحوال الشخصيّة، كونهما يندرجان تحت الموانع التي تنصّ عليها الشريعة الإسلاميّة. كما اعتبرت المحكمة أنّ واضعي مجلّة الأحوال الشخصيّة اعتمدوا، حين وضعوا أحكام المجلّة، المذهبين المالكيّ والحنفيّ؛ وهذه القضيّة هي من بين عشرات القضايا التي استندت لهذين الفصلين ولأحكام أخرى مشابهة.
وفي محاولة للحدّ من هذه النصوص التميزيّة، صادق مجلس الوزراء التونسيّ، في 23 نوفمبر 2018، على مشروع قانون أساسيّ يتعلّق بتنقيح مجلّة الأحوال الشخصيّة، يتضمّن أحكامًا بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وعرَضه بعد ذلك على البرلمان من أجل المصادقة عليه، حتى يصبح ساري المفعول. إلّا أنّ هذا المشروع، لم يُحال إلى جلسة التصويت نظرًا لمعارضة حركة النهضة الإسلاميّة وبعض المحسوبين على التيّارات التقدّميّة. وكان موقف الرئيس «قيس سعيّد» حول هذا الموضوع واضحًا جدًّا، حيث لفت إلى أنّ النصّ القرآنيّ واضحٌ بخصوص هذه المسألة، وأنّ منظومة الإرث في الإسلام تقوم على العدل والإنصاف، وأضاف قائلًا: «إنّ المساواة كما تمّت بلورتها في الفكر الليبراليّ: مساواة شكليّة، لا تقوم على العدل بقدر ما تقوم على الإيهام به».(راجع)
التمييز القانوني على أساس النوع الاجتماعي
تضمّن القانون التونسيّ، في بعض نصوصه، أشكالًا مختلفة من التمييز القائم على النوع الاجتماعيّ، وتحديدًا مجلّة الأحوال الشخصيّة، التي – وإن اعتُبرَت مجلّةً حداثيّةً وثوريّةً عند إنشائها عام 1957 – قد منحت النساء الكثير من الحقوق متجاوزةً بذلك العديد من الأعراف الاجتماعيّة؛، إلّا أنّ هذه المجلّة حرمت النساء حقوقًا أساسيّةً، وكرّست الهيمنة الذكوريّة.
في حقّ الحضانة: يقيّد القانون التونسيّ حضانة الأمّ بسلطة الأب. إذ، تسقط حضانة الأمّ لأسباب دينيّة، فينصّ الفصل 59 من مجلّة الأحوال الشخصيّة: «إذا كانت مستحقّة الحضانة من غير دين أب المحضون، فلا تصحّ حضانتها؛ إلّا إذا لم يتمّ المحضون الخامسة من عمره، وإن لا يُخشى عليه أن يألف غير دين أبيه. ولا تنطبق أحكام هذا الفصل على الأمّ إن كانت هي الحاضنة».
في حكم الوراثة: يصنَّف الاختلاف في الدين كمانعٍ من موانعَ الإرث لدى جانب من القضاء التونسيّ، وذلك بالرجوع إلى قرار محكمة الاستئناف في تونس، في حكمها الصادر في 26 جوان/يونيو 2014، الذي أقرّ ببطلان عقد زواج مسلمة بغير مسلم، وباستبعاد الزوج من إرث زوجته، بناءً على الفصلين 5 و88 من مجلّة الأحوال الشخصيّة، كونهما يندرجان تحت الموانع التي تنصّ عليها الشريعة الإسلاميّة. كما اعتبرت المحكمة أنّ واضعي مجلّة الأحوال الشخصيّة اعتمدوا، حين وضعوا أحكام المجلّة، المذهبين المالكيّ والحنفيّ؛ وهذه القضيّة هي من بين عشرات القضايا التي استندت لهذين الفصلين ولأحكام أخرى مشابهة.
وفي محاولة للحدّ من هذه النصوص التميزيّة، صادق مجلس الوزراء التونسيّ، في 23 نوفمبر 2018، على مشروع قانون أساسيّ يتعلّق بتنقيح مجلّة الأحوال الشخصيّة، يتضمّن أحكامًا بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وعرَضه بعد ذلك على البرلمان من أجل المصادقة عليه، حتى يصبح ساري المفعول. إلّا أنّ هذا المشروع، لم يُحال إلى جلسة التصويت نظرًا لمعارضة حركة النهضة الإسلاميّة وبعض المحسوبين على التيّارات التقدّميّة. وكان موقف الرئيس «قيس سعيّد» حول هذا الموضوع واضحًا جدًّا، حيث لفت إلى أنّ النصّ القرآنيّ واضحٌ بخصوص هذه المسألة، وأنّ منظومة الإرث في الإسلام تقوم على العدل والإنصاف، وأضاف قائلًا: «إنّ المساواة كما تمّت بلورتها في الفكر الليبراليّ: مساواة شكليّة، لا تقوم على العدل بقدر ما تقوم على الإيهام به».(راجع)
في اختيار الشريك: صدر قرار حكوميّ، بتاريخ 8 سبتمبر 2017، أُلغِي بموجبه العمل بالمنشور عدد 216 – المؤرَّخ في 5 نوفمبر 1973 – المتعلّق بزواج المرأة التونسيّة المسلمة بغير المسلم (راجع). وعلى خلفيّة هذا القرار، ألغى كلٌّ من وزير الشؤون المحلّيّة ووزير الخارجيّة جميع المناشير المتعلّقة بالحدّ من حرّيّة المرأة التونسيّة في اختيار قرينها، استنادًا إلى مخالفة المناشير المذكورة للدستور 2014، وخاصّةً الفصلين 21 و46، وتعارضها مع الاتّفاقيّات الدوليّة المصادَق عليها من الدولة التونسيّة، لاسيّما وأنّ المناشير لا يمكن لها بحكم طبيعتها أن تُنشئ حقوقًا، أو تمسّ من الوضعيّات القانونيّة، لأنّ دورها يقتصر على تفسير النصوص التشريعيّة والترتيبيّة، وذلك كما ورد في التعليل الوزاريّ. إلّا أنّ بعض البلديّات رفضت تطبيق قرار الإلغاء بحجّة أنّ دستور الدولة ينصّ على أنّ دين الدولة الإسلام، مع التمسّك بالفصل 5 من مجلّة الأحوال الشخصيّة الذي ينصّ على أنّ: «الزواج لا يُعتبر شرعيًّا بوجود أحد الموانع الشرعيّة»، فيتمّ تأويل هذا النصّ وتطويعه ليتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلاميّة حسب فقه القضاء التونسيّ.
وبموجب هذا النصّ، ترفض بلديّة «الكرم» في ضاحية تونس الشماليّة، على سبيل المثال عقد الزواج بين المسلمة وغير المسلم، إلّا في حالة استظهار الزوج بشهادة تُثبت إسلامه؛ وتستند البلديّة في قراراتها على مجلّة الجماعات المحلّيّة التي تمنحها سلطةً تقديريّةً، شبه مستقلّة في أخذ القرارات التي تراها صالحةً في المنطقة الترابيّة الراجعة لها بالنظر. وقد شجّع هذا التعنت والرفض لقرارات السلطة المركزيّة العديد من البلديّات وعدول الإشهاد على الاقتداء بقرارات بلديّة «الكرم» في رفض كتابة عقد الزواج بين المسلمة وغير المسلم.
الانتهاكات من قبل السلطات الدينية
يُعدّ خطاب الكراهية القائمة على الاختلاف الدينيّ، ظاهرة اجتماعيّة منتشرة في تونس بشكل كبير، ويتصدّره: قيادات دينيّة بارزة، وسياسيّين، ونخب مثقّفة، هاجموا حرّيّة الضمير والمعتقد والمنتمين للأقلّيّات الدينيّة، واصفين إيّاهم بأنّهم خطر يهدّد النمط الاجتماعيّ. فقد أقدم عشرات السلفيّين بتحريضٍ من رجال الدين، على اقتحام معرض «العبدليّة» في مدينة «المرسى»، في ضواحي العاصمة، يوم 10 جوان/بونيو 2012، للمطالبة بسحب بعض اللوحات التي تتضمّن إساءة إلى المقدّسات، حسب تعبيرهم، وهو ما أسفر عن اندلاع اشتباكات بين العارضين والمحتجّين (راجع). وقال الشيخ «حسين العبيدي»، إمام جامع «الزيتونة»، أنّ الفنّانين التشكيليّين في معرض «العبدليّة» كفّارٌ، ويجب أن يُهدر دمهم، قائلًا: «من قام بهذا العمل كافر بصريح النصّ يُهدر دمه ويُقتل»، وقد ردّد الشيخ قوله هذا ثلاث مرّات متتالية (راجع). وأسفرت المواجهات بين السلفيّين وقوّات الأمن إلى سقوط قتيل بالرصاص الحيّ، إلى جانب حرق وتخريب العديد من المقرّات. أصدرت المحكمة الإبتدائيّة في تونس، شهر نوفمبر من عام 2021، حكمًا حضوريًّا بإدانة الشيخ «مختار الدلالي» بسبب التكفير والدعوة إليه، والتحريض على الكراهية، والتباغض بين الأجناس، والأديان، والمذاهب، وسجنه من أجل ذلك لمدّة عامين اثنين، وإسعافه بتأجيل التنفيذ، ومصادرة المحجوز، وقبول الدعوى المدنيّة شكلًا، وفي الأصل بتغريم المحكوم عليه لفائدة القائمة بالحقّ الشخصيّ بالمُليم الرمزيّ؛ كلّ ذلك، وفق ما أوردته جمعيّة «إنارة» على صفحتها الرسميّة «الفايسبوك». ويأتي هذا الحكم القضائيّ على إثر الشكوى التي رفعتها جمعيّة «إنارة» ضدّ الشيخ «الدلالي»، في 16 أ/أغسطس 2021.
وقال النائب «محمّد العفاس»، وهو إمام الجامع الكبير في «صفاقس» سابقًا، أنّ: «التكفير حكم شرعيّ، ولا نخجل منه» (راجع). أمّا النائب «محمّد عمار»، المعروف عنه مواقفه المناهضة للظهور العلنيّ لليهود في الحياة العامّة، فقد عبّر عن مساندته لتصريحات الممثّل التونسيّ «مهذب الرميلي» الذي دعا فيها إلى مقايضة المعابد «الصهيونيّة» في تونس بالمساجد، وهو بذلك لا يفرّق بين الصهيونيّة واليهوديّة كديانة (راجع).
هذا الخطاب شجّع المتشدّدين على رفع أصواتهم عاليًا، والتحريض على المختلفين دينيًّا وعقائديًّا، والمطالبة بمنع كلّ التظاهرات التي تساهم في نشر الأفكار والمعتقدات الدينيّة غير الإسلاميّة السُنّيّة في نظرهم؛ كما هو الحال مع الشيخ «بشير بقة» الذي نشر فيديو على منصّة التواصل الاجتماعيّ «فايسبوك» كفّر فيه البهائيّين، ودعا الشيعة للصلاة خلف أهل السُنّةّ والجماعة، مطالبًا السلطات بالتصدّي للجمعيّات التي تدافع عن الأقلّيّات الدينيّة (راجع). وفي عام 2021، هاجمت وسائل إعلام مرئيّة وإلكترونيّة، محسوبة على الإسلاميّين، معرض الكتاب الدوليّ في تونس، بحجّة أنّه سمح لدار عرض مسيحيّة (دار الكتاب المقدّس للنشر) بالمشاركة في المعرض، وهو ما يمثّل في نظرهم خطرًا يهدّد المجتمع، ويخالف ما ورد في الفصل الأوّل من الدستور، كون تونس دولة مسلمة (راجع). وتداولت صفحات «الفايسبوك» الخبر مع إرفاق صور بعض الراهبات الزائرات للمعرض، واتّهمهم بالتبشير في أروقة المعرض.
انتهاكات المجتمع
تقوم مجموعات مختلفة بعمليّات تخريبيّة تستهدف أماكن أو تجمّعات للمختلفين دينيًّا وعقائديًّا، مستغلّةً في ذلك الانفلات الأمنيّ والاجتماعيّ من حين لآخر.
فمثلًا، بين سنتي 2012 و2013، تمّ الاعتداء على مقامات الأولياء الصالحين، وحرق الأضرحة في شمال تونس وجنوبها دون استثناء، وذلك في هجمةٍ عنيفةٍ وغير مسبوقة في تاريخ البلاد التونسيّة: فاستباح مجرمون مجهولون حرمة مقامات أولياء الصالحين بالنبش، والحرق، والهدم. وقد كانت أصابع الاتّهام تُدين «السلفيّين» الذين يُعادون الطرق «الصوفيّة»، بدعوى أنها مارقة عن الإسلام، وأنّها من أوجه الشرك بالله. وكان «اتّحاد الطرق الصوفيّة»، قد اتّهم التيّار السلفيّ الوهّابيّ بالوقوف وراء عمليّات حرق الزوايا والاعتداء على الأضرحة، بما في ذلك، مزار «السيّدة المنوبية». فاستنكرت المديرة العامّة لمنظّمة «اليونسكو» ما تعرّض له هذا المقام؛ مشيرةً إلى أنّ النيل من هذه المعالم، هو بمثابة الاعتداء على الشعب التونسيّ الذي تميّز عبر تاريخه، بالتسامح واحترام تنوّع المعتقدات، والممارسة الروحيّة (راجع).
كما وقامت مجموعة مجهولة في بداية عام 2018، بإلقاء زجاجات «مولوتوف» على مدرسة دينيّة يهوديّة، في جزيرة «جربة» التونسيّة، في محاولةٍ لإحراقها، وأكّد رئيس الجالية اليهوديّة في «جربة»، «بيريز الطرابلسي» بأنّ، «مجهولون استغلّوا انشغال الشرطة بالاحتجاجات الشعبيّة، وألقوا زجاجات حارقة داخل بهو مدرسة يهوديّة، في الحارة الكبيرة في «جربة»، لكنّه لم تقع أيّ إصابات، والأضرار كانت طفيفة» (راجع).

ومن ناحيةٍ أخرى، تتعرّض العديد من المقابر اليهوديّة والمسيحيّة في السنوات الأخيرة إلى عمليّات تخريبيّة ممنهجة، وحتّى المقابر الإسلاميّة لم تسلم من هذه الإنتهاكات؛ حيث تمّ توجيه أصابع الاتّهام الى أطراف متشدّدة دينيًّا، يمارسون هذه الأفعال بناءً على فتوى تحريم البناء على القبور. ويعاقب القانون التونسيّ بالسجن مدّة عامين، وبخطيّة قدرها ثمانية وأربعون دينارًا، كلّ من يهتُك حرمة قبر (الفصل 167 من المجلة الجزائيّة). إلّا أنّ هذه الجرائم تظلّ دون محاكمات، وتُسجَّل ضدّ مجهول. في 6 ديسمبر 2023، أصدر الاتّحاد المحلّيّ للشغل بالحامة بيانًا يُندّد بزيارة محتملة لليهود إلى المنطقة، حيث اعتبر البيان أنّ هذه الزيارة إلى ما يسمّى «المعرابي» هي «جسم غريب» على البلدة. وقد استخدم البيان لغة تحريضيّة ضدّ اليهود، مع دعوة لرفض الزيارة بشكل قاطع. (راجع)
وقامت قناة التاسعة بحذف مداخلات ناشط مسيحي تونسي استضافته ضمن برنامج «تحت السور»، الذي تمّ بثّه في 4 ماي/مايو 2023، حيث تمّ حذف جميع مداخلاته من على منصّات القناة على «فيسبوك» و«يوتيوب»، دون تقديم أيّ توضيح رسمي. الناشط أفاد بتعرّضه لحملة من المضايقات العنيفة عقب بثّ الحلقة، حيث اقتحم مجموعة من الأشخاص منزله في العاصمة، واعتدوا عليه بالضرب، وحاولوا طرده من المنزل الذي كان يستأجره. بدورها، انضمّت صاحبة العقار إلى المجموعة في محاولة طرده، مكرّرة عبارات مثل «يا كافر» و «يا منجوس». وعلى الرغم من تدخّل الشرطة، إلّا أنّها لم تتمكّن من توفير الحماية الكافية له، ممّا أجبر الضحيّة على تغيير مكان إقامته بحثًا عن الأمان، وذلك حسب ما نشره على صفحته الخاصّة على منصّة «فيسبوك ».
تعتبر العائلة والمجتمع المحلّي المصدر الرئيسي للتمييز ضدّ من غيّروا دينهم، وقد يصل البعض منها إلى الإحتجاز القصريّ، والعنف الشديد، والتحرّش. تتقارب نسب الإنتهاكات المسلّطة على كلي الجنسين، إلّا أنّ النساء يمثّلن النسبة الأعلى من حالات الإنتهاكات المسجَّلة في السنوات الأخيرة. وحسب وحدة رصد ومتابعة حالات التمييز على أساس الدين داخل منظّمة «التلاقي»، فإنّ من إجمالي 168 شكوى موثّقة (بين منتصف 2021 و2022) قُدّمَت للمنظّمة – عن طريق الاتّصال هاتفيًّا، أو ترك رسالة على صفحة «الفيسبوك»، أو الحضور إلى المكتب – نجد أنّ ما يقارب 52% من الشكاوى مقدَّمة من نساء أكّدن أنّ العنف والتمييز اللذين تعرّضن لهما، مصدرهما عائلتهنّ وأقاربهنّ، كما نجد أنّ من بينهنّ 11% تمّ منعهنّ من مغادرة البيت، ومصادرة هواتفهنّ، وإيقافهنّ عن إكمال دراستهنّ.
هذا العدد يعكس واقع النساء المنتميات إلى الأقلّيّات الدينيّة، أو اللواتي يحملن أفكارًا دينيًّة تتعارض مع دين الأغلبيّة، فرغم إصدار قانون أساسيّ، عدد 58 لسنة 2017، مؤرّخ في 11 أوت/أغسطس 2017، ويتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، لم يتغيّر حال النساء على أرض الواقع، بل ما تزال الاعتداءات والإنتهاكات قائمة دون محاسبة أو رادع لحماية النساء من هكذا ممارسات ولضمان حقوقهنّ.