تنصّ أغلبية التقارير الدولية على أنّ التمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد في جميع أنحاء العالم لا يزال مستمرًّا حتّى يومنا هذا. ومع وجود قوانين وتشريعات تعترف بهذه الحرية وتحميها، فإنَّ 67% من سكّان العالم (حوالي 5.2 مليارات نسمة)، يعيشون في بلدانٍ تشهد انتهاكاتٍ عدّةً للممارسات الدينية. وهذه الانتهاكات تتمثل بفرض قيود على الحرية الدينية، سواء من قِبَل الدولة، أو المجتمع، أو السلطات الدينية.
لا تقتصر الانتهاكات على مجموعةٍ دينية معيّنة؛ إذ بحسب لائحة المراقبة العالمية السنوية التي تصدر عن منظمة أبواب مفتوحة (Open Doors)، لا يزال عدد المسيحيين والمسيحيات الذين يواجهون اضطهادًا حول العالم في العام 2022، ثابتًا عند الرقم 360 مليونًا، إلّا أنّ هذا الرقم يُعتبر الأعلى مقارَنةً بالأرقام التي صدرت خلال العقود الثلاثة الماضية، بحسب تقرير صادر عن المنظمة عَيْنِها في العام 2023 . إضافةً إلى ذلك، يشهد العالم اليوم زيادةً في “الإسلاموفوبيا”، خاصّةً مع انتشار السرديات الشعبوية التي تزيد من خطاب الكراهية تجاه فئةٍ معيّنة من الناس. فلا تزال أعمال العنف والاضطهاد تجاه المسلمين والمسلمات في ميانمار مثلًا قائمةً منذ العام 1970، وقد شهدت في العقد الماضي تزايدًا ملحوظًا . منذ بدء الهجوم على هذه الفئة في العام 2017 حتّى شهر آب/أغسطس 2022، سجلت منظّمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) تهجير أكثر من 730000 من الروهينغا إلى مخيّمات في بنغلادش، في حين بقي أكثر من 600000 تحت نظام ينتهك حقوقهم .
تُعاني العديدُ من المجموعات الدينية الأخرى حول العالم، خاصّةً تلك التي تُعتبر “أقليّة”، انتهاكاتٍ عدّةً: كالتعرّض لخطاب كراهية وأعمال عنف، أو التهجير، أو حرمان الحقوق المدنية والسياسية، أو الاضطهاد على المستوى المجتمعي الذي قد يُترجَم إلى عدم الوصول إلى الموارد أو التعليم أو الوظائف أو الطبابة أو العيش الكريم. يقول أحمد شهيد (المقرّر السابق الخاصّ للأمم المتحدة المَعنيّ بحرية الدين والمعتقد): “النزاعات حول العالم (…) تُعرِّض حقوق الأقليات الدينية للخطر بشكلٍ متفاقم، ومنها حقُّها في حرية الدين أو المعتقد. وأيضًا تطُول هذه الانتهاكاتُ الأقلياتِ الدينيةَ، على الأقل جزئيًّا، بسبب هويتهم الدينية “، التي غالبًا ما تكون مختلفة عن هويّة الأكثرية الحاكمة.
من ناحيةٍ أخرى، يَعتبر د. براين غريم (الرئيس المؤسس لمنظمة الحرية الدينية والأعمال)، أنّه يمكن قياس مدى حرية كلّ شخص من خلال قياس القيود المفروضة على الممارسات الدينية. فمنذ العام ٢٠٠٧، تشهد دول العالم زيادة في القيود على الدين، وفي الاعتداءات ذات الطابع الديني . “وقد سُمِّيت حريةُ الدين أو المعتقد عن حقٍّ “بوَّابةً” إلى الحريات الأخرى، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات. فلا يمكن أن تكون هناك حياة حُرَّة لطائفة دينية بدون احترام لتلك الحريات الأخرى، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحق في حرية الدين أو المعتقد ذاتها” . وتنقسم أنواع الانتهاكات على النحو الآتي:
من ناحية انتهاكات السلطة، يمكن ملاحظة أنَّ:
55
وجود تناقض في العديد من الدساتير، وهو ما ينعكس سلبًا على حرية الدين والمعتقد. فمِن بين الدول التي تتضمن بنودًا في دساتيرها تؤكد الحريةَ الدينية (126 بلدًا)، شَرَّعت 55% منها قوانين تتعارض مع هذا الحقّ
72
المضايقات من قِبل السلطة حول حرية الدين والمعتقد في منطقة الشرق الأوسط تجاه بعض المجموعات الدينية غير المعترف بها مثلًا، زادت بنسبة 72% عن العام 2007
40
من بلدان العالم تُجرّم التجديف، و11% تجرّم الرِّدّة؛ ما يُعرّض غير المؤمنين للخطر ويخالف حرية الدين والمعتقد. هذه القوانين هي أكثر شيوعًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث إنَّ 18 دولة من أصل 20 (90٪) تُجرّم التجديف، و13 منها (65٪) تَحظُر الرِّدّة
52
حكومة حول العالم تَفرض قيودًا “عالية” أو “عالية جدًّا” على حرية الدين والمعتقد
سياسات بعض الدول تفرض الحجاب على النساء، أو لباسًا معيّنًا على أفراد ومجموعات (كما في إيران ومنطقة الشيشان)، أو تمنعهنّ من لبسه، أو من لبس البرقع/غطاء الوجه (كما في فرنسا .والصين)، ويُعاقَب بالسجن أو بالغرامة المالية كل من يُخالف ذلك، وهذا يتعارض مع حق الفرد في الاختيار والممارسة لِلدين أو المعتقد الذي يختاره
وجود العديد من القوانين والسّياسات التمييزية ضدّ الأقليات الدينية. وبحسب تقرير المقرّر الخاص المعنيّ بحرية الدين والمعتقد للعام 2022، تُنتَهك حقوق الأقليات الدينية في العالم اليوم بشكلٍ كبير بسبب هويتها الدينية، حتّى وإن كان بشكلٍ جزئيّ . تتعرّض هذه المجموعات أيضًا لأعمال عنف من قِبل سلطات الدولة: كالقتل، والاعتداء الجسدي، وأعمال التخريب، والتهجير المنهجي. وقد زادت أعمال العنف تجاه الأقليات الدينية أو المجموعات الدينية غير المعترف بها بنسبة 25% في السنوات الخمس عشرة الأخيرة
أمّا الانتهاكات المجتمعية، فتشمل:
الضغط والتضييق
المجتمعي.
الاضطهاد والتمييز
والمضايقات المجتمعية.
الخطاب الديني المتطرف،
وخطاب الكراهية.
العنف الديني أو الطائفي،
والاعتداءات المسلحة.
لذا، يمكن ملاحظة ما يأتي:
تُعتبر الانتهاكات من قِبَل السلطات الدينية جزءًا من الاعتداءات المجتمعية. لذا، يمكننا ملاحظة ما يأتي:
• بعض القادة الدينيين و/أو المؤسّسات الدينية يؤثّرون سلبًا في قرارات مجتمعاتهم/نّ و/أو سياسات حكوماتهم/نّ، منتهكين بذلك حرية الدين والمعتقد. فعلى سبيل المثال: يرفض رجال الدين في لبنان الزواج المدني، أو إقرار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية، وهو ما يمثّل انتهاكًا لحقوق المواطن اللبناني اللاديني أو الملحد، أو أي مواطن/ة ينتمي إلى دينٍ أو طائفة غير معترَف بها، مع العلم أن الزواج المدني الذي يحصل خارج الأراضي اللبنانية مُعترَف به في لبنان.تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الانتهاكات تطُول المجموعات المهمشّة بشكلٍ أقسى: كالنساء، والأقليات، والعمّال/العاملات الأجانب، والمهاجرين، ومجتمع الميم، وغيرهم من المجموعات المهمّشة. على مرّ السنين اعتَبَرت الدولُ والمؤسّسات والمنظّمات أنّ الجميع يتعرّضون للانتهاكات ذاتها، معتمِدةً على تجارب الرجال بوصفها مرجعًا أساسيًّا لذلك. هذه النتائج تُسلّط الضوء على الهوّة الجندرية والدينية والاجتماعية، في جمع المعلومات حول انتهاكات حرية الدين والمعتقد، وتحديد السُّبل المناسبة إلى معالجتها.