fbpx Skip to main content

الآليات الدولية للحفاظ على حرية الدين والمعتقد

لم يَظهر مفهوم حقوق الإنسان فجأة، بل جاء نتيجة تطوُّرٍ طبيعي ساهمت فيه مختلف الشعوب والديانات والحضارات. ويُلازِم هذا التطورُ التدريجي لحقوق الإنسان بشكلٍ وثيق مفهومَ الحرية الدينية، التي شكلت بدورها دافعًا أساسيًّا إلى تعزيز مفهوم الحرية بشكل عام. بدأ التطور منذ قانون حمورابي الذي هو أول قانون مكتوب في العالم، مرورًا بقانون كُورَشَ الفارسي الذي سمح لسكان بلاد ما بين النهرين بالاحتفاظ بديانتهم، ثم بقسطنطين (إمبراطور روما) الذي شرّع الديانة المسيحية واضعًا حدًّا للاضطهاد الذي عانَتْهُ هذه الجماعة، ووصولًا إلى معاهدة “وستفاليا” التي أنْهَت حرب الـ30 عامًا بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، والتي كرست القبول الرسمي لحرية اعتناق أيٍّ من المذهبَين الدينيَّين، وألزمَت الدولَ حماية الأقليات فيها المنتمية إلى المذاهب الأخرى، مقابل عدم تَدخُّل قوًى خارجيةٍ بداعي حمايتها. وأخيرًا وثيقة المدينة، التي قامت بدورها أيضًا بحماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية.

الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان

غالبًا ما تتَّخذ الحمايةُ القانونية لحقوق الإنسان على الصعيد الدولي هيئةَ اتفاقيات، وقد يطلق عليها أيضًا: معاهدات، أو عهود، أو صكوك، أو بروتوكولات. وهي تمثِّل التزامًا قانونيًّا للدول المتعاقدة. وفي حالة عدم النص على العكس، يحقّ للدول التي تنضم أو تصدِّق الاتفاقية أن تتحفظ على مادة منها أو أكثر. ولكن وفقًا لقواعد القانون الدولي، على الدول أن تتخذ ما يَلزم من إجراءات، لتحقيق التوافق بين تشريعاتها المحلية وأحكام المعاهدات التي انضمت إليها. أيضًا تنصُّ عدد من الاتفاقيات الدولية على إنشاء آلية لمتابعة تنفيذها.

إضافةً إلى ذلك، تضمّ الاتفاقياتُ الإقليمية لحقوق الإنسان التي صدرت على المستوى القارِّيّ، سواء على الصعيد الأوروبي أو الأميركي أو الإفريقي أو العربي، نصوصًا أوْلَت الحريةَ الدينية أهميةً بالغة.

على مرّ السنين، سعت دول حول العالم إلى تعزيز حرية الدين والمعتقد، وإلى ضمانها وحمايتها. وقد قامت بذلك عن طريق سنّ القوانين الخاصّة بها، وتصديق المواثيق الدولية الداعمة لهذه الحرية، وإقامة المؤتمرات لمناقشة القضايا والنزاعات المتعلقة بحرية الدين والمعتقد، وإيجاد الحلول لها، إضافةً إلى إصدار التقارير السنوية لتبيان تأثير الانتهاكات والمبادرات التي تواجهها الدول في هذا الخصوص.

وفي القرن العشرين، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ الاهتمام على المستويَين الدولي والإقليمي بالحرية الدينية، جنبًا إلى جنب مع علاقتها بحرية الرأي والتعبير، انطلاقًا من ميثاق الأمم المتحدة، ثم من الإعلانِ العالمي لحقوق الإنسان، فالعهدَيْن الدوليَّيْن، ومجموع الاتفاقيات الإقليمية، ووُصولًا إلى تخصيص إعلانٍ أُمَميٍّ متعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمَيْن على أساس الدين أو المعتقد، حيث أعْقَبَه مباشرة إِفرادُ مُقررٍ أُمَمي مَعني بحرية الدين أو المعتقد؛ ما اعتُبرَ محطة أساسية لحماية هذا الحق المتأصل في الكرامة الإنسانية.

:من ذلك مثلًا

الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان (1969)

نجد أن الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان (1969) في المادة 12 منها المُعَنونة بـ“حرية الضمير والدين”، تؤكد أن:لكل إنسان الحق في حرية الضمير والدين. وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه أو معتقداته أو تغييرهما، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه أو معتقداته ونشرهما سواء بمفرده أو مع الآخرين سرًّا وعلانية“.

الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950)

أما الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1950)، فقد نصت المادة 9 منها على أن: “لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة. هذا الحق يشمل حرية تغيير الدين أو العقيدة، وحرية إعلان الدين أو العقيدة بإقامة الشعائر والتعليم والممارسة والرعاية، سواء على انفراد أو بالاجتماع مع آخرين، بصفة علنية أو في نطاق خاص”. وأما المادة 8 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، فتناولَت الحريةَ الدينية من خلال التركيز على أن: حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، ولا يجوز تعريض أحد لإجراءات تقيِّد ممارسة هذه الحريات، مع مراعاة القانون والنظام العام”.

الميثاق العربي لحقوق الإنسان (1994)

بالنسبة إلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان (1994)، في نسخته الأساسية، فقد اعتبرت المادة 26 منه أن: “حرية العقيدة والفكر والرأي مكفولة لكل فرد”، واعتبرت المادة 27 منه أن: “للأفراد من كل دين الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، كما لهم الحق في التعبير عن أفكارهم عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم وبغير إخلال بحقوق الآخرين، ولا يجوز فرض أية قيود على ممارسة حرية العقيدة والفكر والرأي إلا بما نص عليه القانون”. أيضًا، جاءت النسخة الأحدث (2004) لتكفل حرية الدين والمعتقد في المادة 30 منها التي تنصّ على أن لكل شخص الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين ولا يجوز فرض أية قيود عليها إلا بما ينص عليه التشريع النافذ.

المقرِّر الخاص المَعنِيّ
بحرية الدين أو المعتقد

المقرِّر الخاص المَعنِيّ بحرية الدين أو المعتقد

الخلفية التاريخية

بعد سنوات قليلة من اعتماد الأمم المتحدة الإعلانَ بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمَين على أساس الدين أو المعتقد عام 1981، وفي سياق اهتمام المنظومة الدولية بالتشريع في مسألة حرية الدين والمعتقد، وبسبب اتساع دائرة التضييق على ممارسة هذا الحق – أنشأت الأمم المتحدة منصب “مُقرِّر خاص مَعنِيّ بالتعصب الديني” عَقِب صدور القرار 20/1986، وأوكلت إليه مهمة متابعة أوضاع الحرية الدينية حول العالم، واقتراح سُبل لتعزيزها.

المُقرِّر الخاص المَعنِيّ بحرية الدين أو المعتقد هو خبيرٌ/ة مستقلٌّ، يعيِّنُه/ها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

الولاية

عُهد إلى المقرر الخاص، من خلال قرار مجلس حقوق الإنسان 6/37 (انظر النص الكامل بالعربية)، بِمَهامِّ الولاية الآتية:

  • مواصلة الأخذ بمنظور يراعي النوع الاجتماعي بوسائل، من بينها تحديد الإساءات المرتكبة على أساسه، وذلك في سياق عملية إعداد التقارير، بما فيها جمع المعلومات وتقديم التوصيات.
  • مواصلة جهوده/ها لدراسة الوقائع والإجراءات الحكومية التي تتعارض مع أحكام إعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمَين على أساس الدين أو المعتقد، والتوصية بالتدابير العلاجية حسب الاقتضاء.
  • العقبات القائمة والمستجدة التي تعترض حرية الدين أو المعتقد، وتقديم توصيات بشأن سبل ووسائل تذليل تلك العقبات.
  • التشجيع على اعتماد تدابير على الصُّعد الوطنية والإقليمية والدولية لضمان تعزيز وحماية الحق في حرية الدين أو المعتقد.

الوسائل والأدوات

يستعمل المقرِّر الخاص المَعْني بحرية الدين أو المعتقد، مجموعة من الوسائل والآليات، للنهوض بالمهام الموكولة إليه، وأهمها:

  • إحالة النداءات العاجلة ورسائل الادعاء إلى الدول فيما يتعلق بالحالات التي تشكل انتهاكات لممارسة الحق في حرية الدين أو المعتقد، أو عوائق تعترض سبيل هذه الممارسة.
  • إجراء زيارات خاصة للدول لتَقصِّي الحقائق.
  • تقديم تقارير سنوية إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة عن الأنشطة والاتجاهات وأساليب العمل.
  • تتولّى هذا المنصبَ حاليًّا السيدةُ نازلة غانيه (بريطانيا/إيران) منذ عام 2022.

الآليات الوطنية أو المناطقية

أظهَر الاتحاد الأوروبي اهتمامًا خاصًّا بموضوع حرية الدين والمعتقد، وقرر رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2016 تعيين مبعوث خاص يُعنَى بحماية حرية الدين والمعتقد ونشْرِها، نيابة عن الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم. وارتبط عمل المُوفَد الخاص بعمل مفوضية التعاون الدولي والتنمية، إيمانًا بأن علاقة الاتحاد الأوروبي بدول العالم لا بد أن تكون مبنية على أسس الحوار والانفتاح والتنمية المستدامة، التي تشكل حريةُ الدين والمعتقد جزءًا لا يتجزأ منها.

قام الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004 بطرح موضوع حرية الدين والمعتقد بشكل دوري للمناقشة في الأمم المتحدة، وقد ظلت هذه القضية فترة طويلة موضوعًا لِتَبايُن المواقف في الأمم المتحدة إزاء عالمية حرية الدين والمعتقد.

أيضًا تعمل المجموعة المشتركة في البرلمان الأوروبي حول حرية الدين والمعتقد والتسامح الديني، على إقامة تشريعات وسياسات تُعزز هذه القيم وتحميها.

تُعتبر لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (USCIRF) وكالةً حكومية مستقلّة، مسؤولة عن رصد حرية الدين والمعتقد وتعزيزها حول العالم. تأسست اللجنة بموجب قانون الحرية الدينية الدولية لعام 1998(IRFA)، الذي وقَّع عليه الرئيس بيل كلينتون.

إنّ المهمة الأساسية لِلَّجنة هي تقييم حالة حرية الدين والمعتقد في بلدانٍ عدّة، وتقديمُ التوصيات للحكومة الأميركية بشأن القضايا المرتبطة بهذا الحقّ. وأيضًا تتولّى مهمّة مراقبة وضع حرية الدين والمعتقد في البلدان، التي تشهد انتهاكاتٍ واسعة لحرية الدين والمعتقد.

طوّرت الولايات المتحدة الأميركية  أيضًا مكتبًا خاصًّا للحرية الدينية في العالم، في ضمْن وزارة الخارجية. تنحصر مهمة المكتب في تعزيز الحرية الدينية، بوصفها هدفًا أساسيًّا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. يراقِب المكتب الاضطهاد الديني والتمييز في جميع أنحاء العالم، ويوصي بالسياسات وينفذها في المناطق أو البلدان المعنية، ويطور برامج لتعزيز الحرية الدينية، مع العلم أنّ هذا المكتب أصبح ناشطًا على المستوى العالمي.

أنشأت العديد من الدول مكاتب خاصة، أو عيَّنت سفيرًا أو مبعوثًا خاصًّا في ضمن وزارات خارجيَّتها، لِتُعنى بحماية حرية الدين والمعتقد ونشْرِها. كما نشأ التحالف الدولي لحرية الدين والمعتقد عام 2020 بهدف حماية الحرية الدينية وتعزيزها بحسب ما نصّت عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أيضًا على صعيد البرلمانات، نشأ في العديد منها حول العالم “مجموعات عمل” خاصة بحرية الدين والمعتقد، اتَّحدَت كلها فيالهيئة الدولية للبرلمانيين من أجل حرية الدين أو المعتقد“، وهي شبكة عالمية من البرلمانيين والمشرِّعين من جميع أنحاء العالم، والتزمَت مكافحةَ الاضطهاد الديني وتعزيز حرية الدين والمعتقد، على النحو المحدد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة.

الآليات الوطنية أو المناطقية

أظهَر الاتحاد الأوروبي اهتمامًا خاصًّا بموضوع حرية الدين والمعتقد، وقرر رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي عام 2016 تعيين مبعوث خاص يُعنَى بحماية حرية الدين والمعتقد ونشْرِها، نيابة عن الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم. وارتبط عمل المُوفَد الخاص بعمل مفوضية التعاون الدولي والتنمية، إيمانًا بأن علاقة الاتحاد الأوروبي بدول العالم لا بد أن تكون مبنية على أسس الحوار والانفتاح والتنمية المستدامة، التي تشكل حريةُ الدين والمعتقد جزءًا لا يتجزأ منها.

قام الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004 بطرح موضوع حرية الدين والمعتقد بشكل دوري للمناقشة في الأمم المتحدة، وقد ظلت هذه القضية فترة طويلة موضوعًا لِتَبايُن المواقف في الأمم المتحدة إزاء عالمية حرية الدين والمعتقد.

أيضًا تعمل المجموعة المشتركة في البرلمان الأوروبي حول حرية الدين والمعتقد والتسامح الديني، على إقامة تشريعات وسياسات تُعزز هذه القيم وتحميها.

تُعتبر لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (USCIRF) وكالةً حكومية مستقلّة، مسؤولة عن رصد حرية الدين والمعتقد وتعزيزها حول العالم. تأسست اللجنة بموجب قانون الحرية الدينية الدولية لعام 1998(IRFA)، الذي وقَّع عليه الرئيس بيل كلينتون.

إنّ المهمة الأساسية لِلَّجنة هي تقييم حالة حرية الدين والمعتقد في بلدانٍ عدّة، وتقديمُ التوصيات للحكومة الأميركية بشأن القضايا المرتبطة بهذا الحقّ. وأيضًا تتولّى مهمّة مراقبة وضع حرية الدين والمعتقد في البلدان، التي تشهد انتهاكاتٍ واسعة لحرية الدين والمعتقد.

طوّرت الولايات المتحدة الأميركية  أيضًا مكتبًا خاصًّا للحرية الدينية في العالم، في ضمْن وزارة الخارجية. تنحصر مهمة المكتب في تعزيز الحرية الدينية، بوصفها هدفًا أساسيًّا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. يراقِب المكتب الاضطهاد الديني والتمييز في جميع أنحاء العالم، ويوصي بالسياسات وينفذها في المناطق أو البلدان المعنية، ويطور برامج لتعزيز الحرية الدينية، مع العلم أنّ هذا المكتب أصبح ناشطًا على المستوى العالمي.

أنشأت العديد من الدول مكاتب خاصة، أو عيَّنت سفيرًا أو مبعوثًا خاصًّا في ضمن وزارات خارجيَّتها، لِتُعنى بحماية حرية الدين والمعتقد ونشْرِها. كما نشأ التحالف الدولي لحرية الدين والمعتقد عام 2020 بهدف حماية الحرية الدينية وتعزيزها بحسب ما نصّت عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أيضًا على صعيد البرلمانات، نشأ في العديد منها حول العالم “مجموعات عمل” خاصة بحرية الدين والمعتقد، اتَّحدَت كلها فيالهيئة الدولية للبرلمانيين من أجل حرية الدين أو المعتقد“، وهي شبكة عالمية من البرلمانيين والمشرِّعين من جميع أنحاء العالم، والتزمَت مكافحةَ الاضطهاد الديني وتعزيز حرية الدين والمعتقد، على النحو المحدد في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة.